كنا قد وصلنا في قراءتنا بدفتر ذكريات النادي المصري إلى يوم الأحد الثاني والعشرين من فبراير عام 1998، يوم أن صعد المصري إلى نهائي كأس مصر بعد الفوز على ضيفه الأهلي 0/2 بركلات الترجيح، حيث سيلاقي الفريق نظيره فريق المقاولون العرب الذي تغلب بدوره على مضيفه الاتحاد 1/2.
مظاهر الفرحة بالصعود الى النهائي سادت شوارع بورسعيد، مسيرات حاشدة بطول شارع سعد زغلول “الثلاثيني” تهتف في حماس وسط الزغاريد القادمة من البلكونات المحتشدة بالأهالي “يوم الجمعة العصر … هنجيب الكاس من مصر”.
في هذا الوقت كان الشغل الشاغل للجنة الخماسية التي تدير النادي المصري برئاسة الراحل القدير عبد الوهاب قوطة هو سرعة مخاطبة اتحاد الكرة من أجل تعيين حكم أجنبي لمباراة الجمعة خاصًة بعد نجاح تجربة المونديالي السوري جمال الشريف في مباراة الأهلي.
في الأيام التالية، لم يكن هناك صوت يعلو عن صوت الاستعداد للمباراة، جمهور بورسعيد بالكامل يريد السفر إلى القاهرة لمؤازرة الفريق، اللجنة الخماسية ممثلةً في عبد الوهاب قوطة وأحمد منسي ومحمد الحفني ومحمد الزهيري وسمير حلبية أعلنوا تكفلهم بايجار مئات الأوتوبيسات من داخل وخارج بورسعيد، رجال الأعمال والشركات والنقابات والأحزاب وكافة الكيانات الموجودة داخل بورسعيد أعلنوا عن تنظيم رحلات مجانية للجماهير من أجل تحقيق الحلم والعودة بالكأس.
أما عن الفريق فقد واصل تدريباته تحت قيادة الألماني كروجر وجلال عيد ومحمود عاشور بكري، كروجر لديه ثقة في قدرات لاعبيه خاصةً أنه يعرف كل كبيرة وصغيرة عن فريق المقاولون الذي كان يدربه قبل أقل من عام، في المقابل كانت الأخبار الواردة من معسكر المقاولون العرب تشير للثقة الكبيرة لديهم، خاصةً أنهم فازوا على المصري قبل نحو شهر فقط برباعية نظيفة في الدوري.
المران الأخير للمصري ببورسعيد حضره نحو عشرة آلاف متفرج حرص معظمهم في مشهد مهيب على مصاحبة حافلة الفريق بالسيارات والدراجات البخارية والدراجات حتى وصلت إلى منفذ الرسوة الجمركي.
اتصالات اللجنة الخماسية تواصلت مع كافة الجهات المعنية لتأمين جماهير المصري، ولفتح مدرجات ستاد القاهرة مبكرًا خاصة وأن المباراة ستنطلق في تمام الساعة الثانية ظهرًا.
إدارة الكرة بفريق المصري اختارت أحد فنادق الخمس نجوم بشارع الطيران بمدينة نصر لاقامة الفريق لاقترابه من الاستاد.
الآلاف من جماهير المصري باتت ليلة المباراة بشوارع بورسعيد التي لم تنم في تلك الليلة، فالكل ينتظر الحافلات التي ستقله، بالإضافة إلى الآلاف من السيارات الخاصة سواء من الملاكي أو الأجرة، وقد يتهمنا البعض بالمبالغة أن المئات من جماهير المصري سافروا بالدراجات النارية للقاهرة رغم أجواء فبراير الباردة !!!!
مع الصباح الباكر، بدأت الحافلات التي تم استئجارها من كافة محافظات مصر تصل تباعًا إلى شوارع بورسعيد، وبدأ الجميع يأخذ مكانه استعدادًا للسفر.
دوريات الشرطة المتواجدة حول ستاد القاهرة أبلغت مديرية أمن ستاد القاهرة أن عددً كبيرًا جدُا من جماهير المصري متواجد أمام بوابات ستاد القاهرة بطريق النصر منذ الساعة الثامنة صباحًا.
أصبحت بورسعيد في حوالي الساعة العاشرة صباح يوم الجمعة مدينة شبه مهجورة، فالشوارع تكاد تكون شبه خالية، وبات البعض يتندر بأن بورسعيد قد أصبحت عُرضة للاحتلال بعد أن هجرها شبابها ورجالها وشيوخها وعدد كبير من نساءها إلى القاهرة لحضور المباراة !!!
الطريق الصحراوي من بورسعيد إلى الاسماعيلية أصبح مزدحمًا للغاية، فأطوال السيارات المتتالية يصل إلى عشرات الكيلو مترات، الحافلات مكتظة، الحافة التي تتسع لخمسين فرد على أقصى تقدير تحمل مائة على الأقل، ناهيك عن العشرات الذين يعتلون الأسطح.
فريق المصري كان في هذا الوقت يستعد لأداء صلاة الجمعة، توتر اللاعبين ازداد جدًا، خاصةً مع سماعهم لهدير الجماهير المتجهة مبكرًا إلى الاستاد الذي يقع بالقرب من مقر إقامة اللاعبين.
خطبة الجمعة التي أداها الفريق بمسجد الفندق ألقاها الداعية الاسلامي الشاب آنذاك عمرو خالد والذي حضر للفندق تلبيةً لدعوة صديقه تامر النحاس مهاجم الفريق.
عبد الوهاب قوطة رئيس اللجنة الخماسية حرص على أداء صلاة الجمعة مع لاعبيه، قوطة ربت على كتف سيف داوود مهاجم المصري الشاب وأكد له أنه قد حلم بأنه سيحرز هدفًا في الدقيقة الأولى.
مدرجات ستاد القاهرة اكتست باللون الأخضر، عشرات الآلاف يتواجدون بنصف مدرجات الاستاد جهة اليمين، أعلام الزمالك والسويس والإسماعيلي تراها بوضوح داخل الاستاد، عدد كبير من جماهير المصري حرصوا على خلع النصف العلوي من ملابسهم مع طلاء جسمهم باللونين الأخضر والأبيض في مشهد مبهج.
فور وصول فريق المصري إلى الاستاد، حرص كروجر أن يدفع بلاعبيه إلى الملعب كي يحيوا جماهيرهم المحتشدة والذين تعالت صيحاتهم كالأسود فور رؤيتهم للاعبيهم الذين انهمرت دموعهم من هول هذا الموقف.
الألماني كروجر أبدى اندهاشه من كم الجماهير المحتشدة، فقد تحدث في اليوم السابق للمباراة مع مساعده جلال عيد وسأله عن العدد المتوقع حضوره من الجماهير فأجابه جلال عيد أنه يتوقع أن يحضر المباراة عشرة آلاف مشجع، ولكنه يرى أمامه نحو 40 ألف مشجع قادمين من مدينة لا يتجاوز عدد سكانها نصف مليون نسمة.
نصل إلى تمام الساعة الثانية، صافرة الحكم الدولي السعودي يوسف العقيلي تنطلق، وما هي إلا عشرين ثانية وينفرد سيف داوود مهاجم المصري الشاب ويضع الكرة صعبة على يمين طارق سليمان حارس المقاولون محرزًا الهدف الأول للمصري الذي انفجرت معه فرحة الآلاف من جماهير المصري.
يمر الوقت واللعب سجال ما بين الفريقين، لكن الحالة الفنية للاعبي المصري أفضل بكثير، سيف داوود أزعج دفاعات المقاولون كثيرًا، تغيير مبكر للمصري بخروج ظهيره الأيسر عادل الصعيدي ونزول زميله محمد سعد، يمر الوقت وتتوتر أعصاب لاعبي المقاولون فيعتدي مدافعه مصطفى مارين على سيف داوود مهاجم المصري ولكن حكم المباراة يطلق صافرته معلنًا نهاية الشوط الأول.
ما بين شوطي المباراة، ونتيجة لإشارة حامل الراية، قام يوسف العقيلي حكم المباراة بطرد مصطفى مارين مدافع المقاولون لضربه سيف داوود بدون كرة.
يبدأ الشوط الثاني، يضغط المقاولون، ومن هجمة مرتدة في الدقيقة الثانية يمرر أيمن مشالي أحد نجوم المباراة كرة حريرية للمندفع من الخلف حمد إبراهيم الذي وضع الكرة بهدوء في المرمى محرزًا الهدف الثاني وهدف اقتراب الحلم أكثر وأكثر.
يزداد توتر لاعبي المقاولون، في المقابل يُسير لاعبي المصري المباراة كما يريدون، كروجر يُجري تغييره الثاني في الدقيقة الخامسة والعشرين بنزول عفت نصار بدلًا من المجتهد تامر النحاس، وفي نفس الدقيقة ومن أول لمسة لعفت نصار يسدد كرة قوية بيسراه تسكن الشباك محرزًا الهدف الثالث للمصري لتشتعل الفرحة في مدرجات المصري.
لم يستسلم فريق المقاولون وينجح عبد العزيز مصطفى “زيزو” في إحراز الهدف الأول للمقاولون في الدقيقة السابعة والعشرين، ليرد المصري سريعًا بهدف رابع عن طريق عفت نصار والذي سجل هدفه الشخصي الثاني وهدف فريقه الرابع في الدقيقة الثامنة والعشرين.
المصري أجرى تغييره الثالث والأخير بنزول أحمد العجوز بدلاً من أيمن مشالي، في المقابل واصل المقاولون ضغطه وينجح مصطفى مرعي في إحراز الهدف الثاني لفريقه في الدقيقة السابعة الثلاثين، وفي الدقيقة الأخيرة يحتسب حكم المباراة ركلة جزاء للمقاولون يتقدم لتسديدها مدافعه محمود العارف، ويتصدى لها حسن نصر حارس المصري الأمين ولكنها ترتد من يديه للعارف الذي يسكنها الشباك محرزًا هدف فريقه الثالث والذي انطلقت بعده مباشرةً صافرة حكم المباراة معلنًا فوز المصري بأربعة أهداف مقابل ثلاثة محرزًا بطولة كأس مصر للمرة الأولى في تاريخه.
هنا انفجرت فرحة الآلاف داخل ستاد القاهرة، وما يقرب من نصف مليون مواطن بورسعيدي في شوارع بورسعيد التي باتت تعج بالبشر في دقائق معدودة، الجميع انطلق نحو الاستاد الذي فتح أبوابه لاستقبال الجميع.
بعد أن تسلم طلعت منصور قائد المصري كأس البطولة وبعد ان احتفل الجميع بالكأس، اكتست الشوارع المحيطة باستاد القاهرة باللون الأخضر، وكان طريق القاهرة بورسعيد الصحراوي مسرحًا لاستضافة فرحة الجماهير الغفيرة التي عادت بأغلى بطولة.
في المقابل استغرقت حافلة الفريق ما يقرب من ست ساعات كاملة للوصول إلى بورسعيد، بالإضافة إلى نحو ثلاث ساعات أخرى للوصول إلى الاستاد الذي احتشد به عشرات الآلاف للاحتفال بالبطولة التي غابت عن المصري لسنوات طويلة.
وفي الاستاد امتدت الفرحة إلى الساعات الأولى من صباح اليوم التالي واشتعلت أفراح الجماهير على أغنية المطرب هشام عباس “يا ليلة” والتي كانت قد صدرت خلال بدايات عام 1998، وتعالت دعوات مشجعي المصري تدعو لمنتخب مصر بالفوز بلقب بطولة كأس الأمم الأفريقية المقامة ببوركينا فاسو خلال الفترة ذاتها وهو ما تحقق في اليوم التالي لمباراة المقاولون، عندما فاز منتخب مصر بالبطولة على حساب جنوب أفريقيا بهدفين للاشئ.
تعالوا نتذكر نجوم المصري في تلك المباراة الخالدة:
حسن نصر ، محمود حسين، عقل جاد الله، الراحل محمد عمر الأكو، طلعت منصور، عادل الصعيدي، حمد ابراهيم، ياسر الشنواني، أيمن مشالي، تامر النحاس، سيف داوود.
و البدلاء محمد سعد، عفت نصار، أحمد العجوز.
و قائمة الشرف من النجوم وتضم: إبراهيم المصري، السيد البشبيشي، محمد الشرقاوى، الراحل تامر الفحلة، صبري سليم، موفق الباشا، الغيني جبريل سوما، الغيني أبو بكر ديواره، عماد العمدة، حسن أبو زينة، عصام عبد العال، أحمد قناوى، تامر عبد الحميد، الحسن محمد، والناشئون نهاد حجاج وعمرو الدسوقي وأسامة مسعد نور .
و الجهاز الفني الألماني مايكل كروجر، الكابتن جلال عيد، الكابتن محمود عاشور البكري، الإداريون الراحل عاطف جابر، محمد الشبيني، الجهاز الطبي، دكتور مجدي الألفي، يسري صادق، مدحت مختار، مسئولو المهمات شحته عثمان، إبراهيم غانم.
و مجلس إدارة المصري آنذاك الأستاذ عبد الوهاب قوطة رحمه الله، المهندس محمد الحفني، الأستاذ أحمد منسي، العميد محمد الزهيري رحمه الله، الأستاذ سمير حلبية.