منذ انتهاء العدوان الثلاثي، باتت زيارة بورسعيد سنويا في عيد النصر يوم 23 ديسمبر، تقليدا سنويا لا يفوته أبدا الرئيس الراحل جمال عبد الناصر.
برنامج الاحتفال غالبا، يتضمن وضع الرئيس لأكاليل الزهور على النُصُب التذكاري لشهداء بورسعيد، ثم يبدأ جولته تفقدية لعدد من المشروعات، قبل أن يتوجه إلى ستاد المصري لحضور العرض الرياضي الذي يقدمه طلاب وطالبات بورسعيد بحضور الألاف من مواطني بورسعيد.
وفي الاحتفال بالعيد الثامن لانتصارات بورسعيد على العدوان الثلاثي عام 1964، وأثناء تواجد الرئيس في ميدان الشهداء، فوجئ عبد الناصر بهتافات غير مفهومة من جانب المواطنين.
تكررت الهتافات عندما تواجد بالاستاد لحضور العرض الرياضي، وهو الأمر الذي دفع ببعض العاملين برئاسة الجمهورية لاستيضاح الأمر، فوجدوا أن الجماهير كانت تهتف هتافًا واحدًا “الليوي يا ريس”.
العاملون نقلوا الأمر إلى الرئيس عبد الناصر، والذي طلب توضيحًا من مرافقيه. وبعد البحث في الأمر، اتضح أن الجماهير تطلب العفو عن لاعبي المصري، منير جرجس “الليوي”، وفاروق الدسوقي، واللذين كانا قد صدر قرارًا بشطبهما نتيجة اشتباكهما مع بعض لاعبي الترسانة عقب مباراة الفريقين التي جرت على ستاد المصري في السادس من نوفمبر لنفس العام.
الرئيس عبد الناصر وعد بدراسة الأمر، وبالفعل ما هي إلا أيام قليلة ويصدر العفو عن “الليوي” وزميله فاروق الدسوقي، ليشاركا في مباراة السواحل بالاسكندرية.
فاز المصري بهدف نجمه محمد بدوي، ليكون هو الفوز الأول للنادي المصري منذ ستة أسابيع كاملة، ولتتحسن نتائج المصري كثيرًا بعودة “الليوي”، وفاروق الدسوقي.
هي مجرد حكاية من حكايات كثيرة يضمها دفتر ذكريات النادي المصري، تدفعنا للبحث في تاريخ “الليوي”. هذا اللاعب الذي تدخل رئيس الجمهورية للعفو عنه، فمن هم “الليوي”؟
ولُد نجمنا منير جرجس في عام 1938 في بورسعيد، أما عن سبب تسميته بـ “الليوي”، فيعود إلى اسم شهرته بين أسرته وأقرانه الذين كانوا ينادونه بـ “لويس” ثم تحور الاسم إلى “لوي”، إلى أن استقرت التسمية عند “الليوي”، وهو الاسم الذي ظل مقترنًا به طوال مسيرته.
بدأ “الليوي” ممارسة كرة القدم في شوارع بورسعيد، إلى أن انضم للمصري مطلع الخمسينيات، ضمن صفوف فرق الأشبال والناشئين.
جذب الأنظار، خاصًة مع تمتعه ببنيان قوي للغاية، وإجادته للتسديدات بعيدة المدى، بالإضافة إلى إجادته التامة لألعاب الهواء.
وكان “الليوي” يتخذ من محمد أبو حباجة لاعب المصري السابق مثلًا أعلى، إذ كان يرى فيه كافة مواصفات المدافع المثالي.
وبمرور الوقت، وبعد اعتزال قلبي دفاع المصري، سامي عياد، والسيد سالم، شارك منير جرجس في هذا المركز بداية من موسم 1957/1956، فظهر بمستوى طيب للغاية استحق معه إشادة الجميع.
ونجح المصري خلال هذا الموسم الذي وقع خلاله العدوان الثلاثي على بورسعيد، أن يحقق المركز الخامس بفارق الأهداف فقط عن الأوليمبي صاحب المركز الرابع، كما نجح الفريق في تحقيق الفوز على الأهلي في بورسعيد بهدف للاشيء سجله محمد منصور، وفاز على الزمالك بهدف للاشئ أيضًا، سجله نجم الفريق عبده سليم.
المصري لم يكتف بذلك، فأقصى الأهلي من كأس مصر في ربع النهائي بهدفين، سجلهما الإيطالي بيبو، والنجم عبده سليم، وهي المباراة التي نجح خلالها “الليوي” في شل حركة السيد الضيظوي نجم المصري المنتقل للأهلي تمامًا، لتداعب جماهير المصري، أحمد عبود باشا رئيس مجلس إدارة النادي الأهلي قائلين “قول لي عملك إيه، الضيظوي، الضيظوي اللي أنت شاريه قول لي”.
المباراة كانت سببا في تسليط الضوء على منير جرجس، والذي لم يجد صعوبة في تحقيق حلمه بالالتحاق بالكلية الحربية، ورغم الصعوبة التي كان يعانيها في سبيل الانتظام في تدريبات ومباريات الفريق، إلا أنه كان حريصًا على الانتظام في خوض مباريات المصري الذي هبط موسم 1958/1957 بسبب تبعات العدوان.
وظل “الليوي” رغم ذلك بصحبة رفاقه من نجوم المصري، يعانون من ويلات اللعب في الدرجة الثانية لموسمين، حتى استطاع الفريق العودة إلى الدوري الممتاز موسم 1961/1960.
وكانت سنوات الستينيات هي السنوات التي شهدت نجومية “الليوي”. انضم في مناسبات عديدة للمنتخب العسكري، كما بات أحد هدافي المصري بفضل أهدافه من التسديدات بعيدة المدى والضربات الرأسية، بجانب ركلات الجزاء التي تميز في تسجيلها بشدة.
كان “الليوي” غيورا لدرجة كبيرة على فريقه، فكان دائم التحفيز لزملائه من أجل تحقيق الفوز وإسعاد جماهير المصري التي طالما عشقته لروحه القتالية وحماسه الدائم.
ويذكر التاريخ لـ “الليوي”، أنه كان واحدًا من الجيل الذي حقق الفوز الأكبر في تاريخ الدوري العام المصري، على حساب بني سويف بنتيجة 11-0 على أرض استاد المصري في بورسعيد يوم 31 يناير لعام 1964.
المصري حقق أيضا خلال فترة الستينيات، فوزًا كاسحًا على الترام بنتيجة 8-0 في المباراة التي جرت بالاسكندرية يوم 21 يناير لعام 1963.
واستمر “الليوي” في مشواره مع كرة القدم، حتى وقع عدوان يونيو 1967، فتوقف النشاط الكروي، واضطر “الليوي” إلى الاعتزال والتفرغ لمهام عمله كضابط بالقوات المسلحة.
وحينما عاد النشاط الكروي مطلع موسم 1972/1971، وبدأ المصري خوض مبارياته بالدوري، كان “الليوي” حريصًا على متابعة مباريات الفريق، سواء في دمياط أو طنطا أو الزقازيق، وطالما حرص على مساندة زملاء جيله محمد عبد العزيز “الولف”، ومصطفى الشناوي، واللذين كانا يتوليان مسئولية الإدارة الفنية للفريق.
واستطاع “الليوي” بعلاقاته الطيبة في القوات المسلحة آنذاك، تسهيل حصول لاعبي المصري سواء من الجنود أو ضباط الاحتياط أو الضباط العاملين، على الإجازات اللازمة لخوض المباريات.
وعقب تركه للخدمة في القوات المسلحة، اتجه “الليوي” للعمل في مجال التدريب، فدرب أولا فريق طنطا، قبل أن يتجه للعمل خارج مصر مطلع الثمانينيات، فدرب فريق الوحدة البحريني، قبل أن يتولى القيادة الفنية لفريق الروضة في المنطقة الشرقية للمملكة العربية السعودية.
وفي منتصف التسعينيات، عاد “الليوي” للعمل في مصر، فلبى على الفور دعوة السيد متولي للعمل مشرفًا على الكرة موسم 1995/1994، قبل أن يعمل مديرًا للكرة في الموسم التالي مع الجهاز الفني للراحل القدير محمد صديق “شحتة”، والذي قاد المصري للعودة للمربع الذهبي للدوري للمرة الأولى بعد عقد كامل من الغياب.
رحم الله فقيدنا الغالي منير جرجس “الليوي”، والذي رحل عن عالمنا في الـ30 من مارس لعام 2014 عن عمر ناهز 76 عامًا، تاركًا خلفه سيرة عطرة يتذكرها عشاق المصري ومحبيه.